المجدد النجفي في تليدهِ وطارفهِ 28/1/2011 |
السيرة الذاتية
وأسرته
الكريمة من أَعيان الأسر، وفُضْليَات العوائل ولها مكانة علمية واجتماعية رفيعة
ومتميزة في بلادها ـ لاهورـ ومن أبرز شخصياتها: جدّهُ
الشيخ محمد إبراهيم، كان رحمه الله تعالى شخصية علمية اجتماعية سياسية كما كان
زعيم عشيرته ومرجعهم في الحلِ والعَقْد، وممـّا نقلهُ الثِقاة أنهُ كان للشيخ
المذكور ديوانٌ عامر ومجلس كبير تؤمه الناس على تعدد طبقاتهم وتبايُن نحلِهِم
ومللهم وكانت تجري فيه المناظرات والمناقشات العلمية الرائقة بين جدّ سماحة المرجع
(دام ظله) وبين رؤساء المذاهب الإسلامية، وبينه وبين الهندوس، وكان يسكن في مدينة
(جالندهر) وهي إحدى المدن الكبرى في الهند. وكان
الشيخ محمد إبراهيم رحمه الله تعالى آية في الذّكاء الخارق والفطنة الوقادة واستحضار
الأجوبة مستوعباً للمسائل العقلية والآراء الكلامية والمباحث العقائدية لا تندّ عن
ذهنه شاردة ولا واردة لذا أخذ على عاتقه القيام بنشر مبادئ الدين الحنيف وإرساء
قواعد التشيّع مضافاً إلى كونه زعيماً اجتماعياً مطاعاً. وقد هاجر (بعد انفصال
باكستان عن الهند) نتيجة التقسيم إلى باكستان وسكن في منطقة (باتابور) من ملحقات
لاهور إلى أن وافاه الأجل في أوائل عام 1962م ودفن في مقبرة الأسرة هناك. والده الفاضل الجليل الشيخ صادق علي وبعد عمر
حافل بالعمل الصالح وخدمة الدين الحنيف انتقل إلى رحمة الله تعالى وذلك في عام
1984م ودُفن إلى جنب أبيه في مقبرتهم الخاصة. أعمامه 1- رحمت
علي: كان شاعراً أديباً من شعراء أهل البيت عليهم السلام وقد خصص شعره وأدبه في
مدح ورثاء العترة الطاهرة وما أعظمها من غاية. ولم يعمر
طويلاً فقد توفي في حياة أبيه حشره اللهُ مع ساداته ومواليه (عليهم السلام). 2- عاشق
علي: كان أيضاً شاعراً مُجِيداً وأديباً بارعاً يقفو في معانيه أثر الشاعر
الباكستاني العرفاني الخالد ـ الدكتور محمد إقبال، وكان شعره حافلاً بالآراء
الفلسفية الرَّصْينة مطبوعاً بطابَع الاحتجاج في الانتصار لأحقية أهل البيت
الطاهرين (عليهم السلام) بالتفضيل والإمامة وتفنيد آراء مخالفيهم.. توفي عام 1992
ودفن في مقبرة الأسرة. 3- خادم
حسين: ولد سنة 1332 هجرية في مدينة (جالندهر) التابعة لولاية (البنجاب) القسم
الخاضع للهند وارتحل إلى باكستان بعد التقسيم حيث استقر في مضافات مدينة (لاهور)
(باتابور). درس في
المدارس الشيعية والسنية، وتدرب على المناظرات ودافع عن المذهب الجعفري دفاعاً عن
الحق والحقيقة. كان
متوقد الذهن، حاد الذكاء، سريع الإجابة، حاضر الحجة، مدافعاً مستميتاً دون كلمة:
(لا اله إلا الله، محمد رسول الله، علي والأئمة من ولده حجج الله)، لذا كان يُشار
إليه بالبنان في التدريس والتدريب على المناظرات والخطابة ولقب بالجعفري، وقد تعرض
للاغتيال غير مرة توفي رحمه الله سنة 1402 هجرية وهو يؤدي واجباته الدينية دفاعاً
عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام). فسلام عليه يوم ولد ويوم توفاه الله ويوم يبعث
حياً. أخوته الكرام أخوه
الكبير العالم الفاضل الشيخ منظور حسين:خطيب مصقع ومدرّس جليل في إحدى مدارس
باكستان الدينية تلقى علومه أولاً على يد عمه ثم هاجر إلى مدينة قم المقدسة، درس
على يد كبار علمائها حتى نال قسطا وافراً من العلم، وأصبح فاضلاً يُشار إليه
بالبنان، وله مناظرات ما زال الناس يذكرونها ويلهجون بها لقوتها ووضوح الحجة فيها،
وهو المدير العام للمكتب المركزي لسماحة الشيخ المترجم له (دام ظله) في (لاهور)
ويشرف على سائر المكاتب المنتشرة في الهند وباكستان. 2- نذير
حسين: وهو أكبر سناً من شيخنا البشير وقد انصرف إلى العمل التجاري. 3- شريف
حسين: وهو أصغر من شيخنا (دام ظله) يزاول مهنة التجارة أيضاً. ومما مرّ
عليك تعلم أن سماحة الشيخ بشير (دام ظله) مُعمّ مُخولٌ اكتنفه المجد من أطرافه
وغمره الشرف من ستّ جهاتهِ: نشأته ولد (دام
ظله) عام 1942م في مدينة (جالندهر) من بلاد الهند ونشأ في ذلك الجو العابق
بالإيمان والتقى ومحبة أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) وترعرع في جنبات الفضيلة
والمثُلِ العُلْيا وكان كُلٌ من أبيه وأمه حادبين على تربيته التربية الإسلامية
الصحيحة موجهين له الوجهة السليمة متوسمين فيه بلوغ الدرجات الراقية في سُلّم
العلْم والمعارف الإلهية فكان ـ فيما بعدـ عند حسن ظنهما وزيادة، وما أنْ شب عن
الطوْق حتى شرع في انتهال مبادئ العلوم واكتساب مُقدِمات الفضل. مبادئ دراسته الأولية أخذ
مُقدّمات العلوم المعروفة من نحو وصرف وبلاغة وفقه وأصول في مدينة لاهور على يد
جدّه لأبيه العالم الفاضل الشيخ محمد إبراهيم الباكستاني وعمه الفاضل الشيخ خادم
حسين والعلامة الشيخ أختر عباس الباكستاني مؤسس ((مدرسة جامع المنتظر)) الدينية
وهي أعظم مدرسة وأنشط المدارس الدينية في باكستان حالياً من حيث كفاءة الأساتذة
وطموح الطلبة في تحصيل المراتب الراقية في العلوم الشرعية. ومن
أساتذته في بلده أيضاً العلامة شريف العلماء السيد رياض حسين النقوي والعلامة
المرحوم السيد صفدر حسين النجفي. هجرته إلى النجف الاشرف الاشرف
لمرحلة السطوح. الطوسي
وفي المدرسة الشبرية وفي مسجد الهندي.. في سوق الحويش. الصحية. ولِما
يتمتع به شيخنا المترجم منْ مكانة علمية سامية ورصانةٍ فكرية بعيدة الغور فقد
أحبَّ التدريس حد العشق فأكثر منه ابتداءً من (جامعة المنتظر) في باكستان إلى
يومنا هذا في العديد من الفنون وعلى كل المستويات، وجملة من تلامذته الآن يحاضر في
البحث الخارج على الأصول والفقه في مناطق مختلفة من العالم، وأصرَّ سماحته على عدم
ذكر أسمائهم تواضعاً للعلم والعلماء. 1ـ مدرسة
دار الحكمة وهي مؤسّسة آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم (طاب ثراه). 2ـ مدرسة
دار العلم وهي مؤسسة آية الله العظمى السيد الخوئي (طاب ثراه). 3ـ
المدرسة الشبرية. 4ـ مدرسة
القوام المسامتة لمسجد شيخ الطائفة الطوسي (طاب ثراه). 5ـ مسجد
كاشف الغطاء (طاب ثراه). 6ـ
(المسجد الهندي). وما زال
أطال الله بقاءه يواصل دروسه ـ خارجاً، في مكتبه ـ في الفقه والأصول إضافة إلى
درسي التفسير والأخلاق. خصائصه ومميزات نهجه في التدريس مما
تواتر عن سماحته بنقل فضلاء تلامذته وأجلاء حُضّار بحثه أن الشيخ البشير (دام ظله)
قليل النظير في طريقة تدريسه وقوّة بيانه وحسن تبويبه للمطالب وسلامة ترتيبه
للمقدمات المفضية إلى صحة النتائج بدقة متناهية واستنتاج سليم مع الابتعاد عن
الحشو والفضول وتقريب المعنى البعيد باللفظ الوجيز البعيد عن الاحتمال والاشتراك. ومن دأبه
العمل على ترقية إفهام الطلبة وتمكينها من هضْم مستصعبات المسائل بالترويض
والمزاولة ومجانبة التفكير السطحي الذي كاد يطغى على جمهور الدارسين لولا جهود
شيخنا مرجع المسلمين آية الله العظمى الشيخ البشير (دام ظله) بما وضعه من المناهج
القويمة للارتقاء بالحوزة العلمية في النجف الأشرف إلى أوج التألق الفكري وتنمية
المواهب والقابليات الواعدة وتمرينها المتواصل ((كما مرن البازي كف الملاعب)). نحمد
الله على هدايته لدينه ونشكره على رعايته وحمايته وإرشاده إلى سبيله ونستعينه على
تحمل ما اوجب علينا ونستمده العون على القيام بما أولانا ونصلي على النبي الأكرم
والمبلغ الأعظم هادي الأمم سيد العرب والعجم محمد وعلى آله الأئمة الهداة حماة
الدين واللعنة الدائمة على شانئيهم من الأولين والآخرين إلى يوم الدين. وبعد
فاني ابعث رسالتي هذه من النجف الاشرف وأجدني مشاركاً روحاً وقلباً هذه الأفئدة
التي تجمعها هذه المدارس والمراكز العلمية صانها الله من ريب الدهور على تعدد
أصنافها من الأجلاء وطلبتنا الأعزاء على تنوع طبائعهم واجتمعت نفوسهم فيها على
العزم والالتزام بسعي حثيث في الارتواء بمنهل علم أهل البيت (عليهم السلام). واعلموا
أيها الإخوة الفضلاء وأولادي الأتقياء الأعزاء أن رابطة الدين أقوى من كل الروابط
فإنَّ هذا الرابط دفع أولئك الذين سبقونا بالإيمان إلى نبذ كل العلاقات النسبية
والسببية والعشائرية وإلغاء كل الاعتبارات التي تقتضي تصنيف البشرية فكان الرابط
الديني أقوى وأسمى وأكثر تأثيراً وأعظم مفعولاً في نفوسهم فوتروا الأقربين
والأبعدين في ذات الله، فرابط الدين لابد وان يكون فوق كل الاعتبارات. وهنا
رابط آخر نشترك كلنا فيه وهو رابط العلم، فقد جمعتنا هاتان الرابطتان فكلنا رواد
هذا المنهل الروي مشرع علم الدين، فعلينا جميعاً الاهتمام بالأمور الآتية: نجد انه
قد أصاب الحوزات العلمية الوهن من حيث الكتب، فنجد طلابنا الأعزاء مَيّالين إلى
الكتب السهلة والدراسة السطحية بما يجعلنا نتوقف اتجاهه ملياً لانه إذا استمرـ لا
سمح الله ـ فهو لا يبشر بخير. أخوتي
الأجلاء قد بلغني وأنا في النجف الاشرف شدة الاهتمام بالحوزات العلمية التي
تترأسها سائر الفرق الإسلامية ولاسيما الوهابية بحيث ينذر ذلك بالخطر الداهم على
البلاد الإسلامية وعلينا التيقظ والالتفات إلى ما نحن فيه والسعي إلى إرجاع طلابنا
الأعزاء إلى سابق العهد الذي عهدنا السلف الصالح من علمائنا الأبرار عليه، فلتكن
الدقة والتعمق والتوجه إلى الكتب الصعبة في كل الفنون مقصدنا جميعاً وعلى المدرسين
الأفاضل الاهتمام بهذا الموضوع. انه
بلغني أنَّ كثيراً من الطلبة يخلط بين المنهج الدراسي المتبع في الحوزات العلمية
وبين المناهج الدراسية السائدة في الكليات والجامعات التي ترعاها الحكومات في شتى
أرجاء العالم فحيث يرون أن الكتب المطروحة أمام الطلبة في تلكم الكليات والجامعات
يقصد في أثناء تأليفها التبسيط والتسهيل في التعبير بينما الكتب المطروحة سابقاً
في الحوزات العلمية معقدة في تعبيراتها ومستعصية على فهم الطالب العادي فيتصور
بعضهم انه ينبغي أن تكون الكتب الرائجة في الحوزات العلمية شبيهة بالسائدة في
الكليات والجامعات ولكنه بأدنى التفاتة يتضح انه لا ينبغي الخلط بين المنهجين
والسر في ذلك أن الغاية من الدرس والتدريس في الكليات والجامعات إعداد الطالب فيها
لفهم وإدراك ما وصل إليه العلماء في العلوم الجديدة والفنون الحديثة والإحاطة بها
ومن ثم مواصلة السير في تطوير تلك العلوم والفنون في المستقبل والاستفادة منها ولا
علاقة للطلاب بالتعبيرات التي استخدمت وبالألفاظ أو اللغات التي استعان بها
العلماء السابقون في تلك العلوم الحديثة، وبما أن طريقة التعبير وسليقة التكلم بكل
لغة تتغير وتتبدل بمرور الزمن فربما يكون هناك تعبير واضحاً وسلساً في زمان وبعد
مدة يصبح للأجيال القادمة مُعقداً يفتقر الناظر فيه إلى القواميس والاستعانة
بقواعد اللغة ذلك للوصول إلى مغزى الكلمات المستخدمة للكشف عما في ضمير المتكلم،
مثلاً الخطب التي ألقيت قبل قرون على عامة الناس نجدها اليوم معقدة وبعيدة عن
سليقة التكلم وطريقة التعبير التي نعايشها، ومن هنا نجد الحكومات المهتمة بالمدارس
والكليات تضطر إلى تغيير الكتب الدراسية بين فترة وأخرى. بينما
طالب علم الدين تنحصر وظيفته وينصب اهتمامه في فهم النصوص القرآنية والأحاديث
النبوية والروايات المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي صدرت عن متكلميها
قبل قرون وكانت واضحة سهلة الفهم في حينها ولذلك تم التحدي بتلك الآيات الشريفة
لكل من بلغه القرآن في حينه مع سيطرة الأمية على الناس. وكذلك
الأحاديث النبوية وخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأدعية الصحيفة السجادية
وغيرها مثل دعاء سيد الشهداء (عليه السلام) يوم عرفة فإنها كلها ألقيت وقُرِئَتْ
على عامة من يعرف اللغة العربية وكانوا يفهمونها ويستوعبون أدق معانيها لوحدة
السليقة في التعبير بين المتكلم والمخاطب، والآن لأجل البعد الزمني الهائل والتبدل
الواضح بين سليقة التعبير في ذلك الوقت وسلوك التعبير اليوم فلا نتمكن من فهم تلك
النصوص لمجرد تمكننا من التحدّث باللغة العربية السائدة اليوم وفهمها، فلابد من
ترويض ذهن الطالب وتمرينه بنحو يتمكن من فهم واستيعاب المعاني العميقة التي اشتملت
عليها تلك التعبيرات. ولو
تعوّد الطالب على التعبيرات السهلة والطرق التعبيرية التي استأنست أذهاننا بها
وتعوّدت نفوسنا عليها لبقي بعيداً عن عموم تلك المعاني، فيجب الاهتمام بالكتب
المعقدة والتعبيرات التي سعى علماؤنا الأبرار إلى تبنيها في مقام إيصال المعاني
العالية والمطالب السامية وإيصالها للأجيال اللاحقة. الاهتمام
بمظهر طالب العلم بأن لا يخرج عن زي رجل الدين، فالتزيي بالزي الأوربي والتمادي في
تبني المظاهر المجلوبة من الأغيار في شعر الرأس والملابس والأحذية وطرق الأكل
والشرب بنحو ما اخذ يسود في البلاد الإسلامية مما لا ينبغي أن يحدث في الحوزات
العلمية. إن
الاهتمام بالمظهر أمر ضروري والتخلي عن الزي التقليدي لرجل الدين وإتباع الأوربي
يومئ إلى الإحساس بالنقص في الطالب، فإنا لا نجد أحداً من أعداء الإسلام يفكر في
التخلي عن سلوكه في المأكل والملبس بينما نجد شبابنا وأفلاذنا مندفعين إلى التخلي
عن سلوكنا في الحياة وتبني سلوك الأوربيين. الاهتمام
بالجانب الروحي، وينبغي أن لا يذهب علينا أن مجرد حفظ القواعد اللغوية العربية
وغيرها والإحاطة بالمسائل الفلسفية والكلامية والأصولية ونحوها وحده لا يقرب
الطالب من الله سبحانه بل لا يجعله في صف طلبة علوم الدين بالمعنى الواقعي فإنَّ
تعلم المسائل بل التبحر فيها مقدمة لصياغة النفس في قالب الدين، فيجب على المهتمين
بتربية طلابنا الأعزاء مراقبة سلوك الطالب وحثه على الالتزام بتقوى الله والخشية
منه في السر والعلانية، ويجب أن يرافق الارتقاء الروحي التقدم العلمي، وأن يواكب
السمو النفسي الارتفاع في مدارج العلوم التي يدرسها في الحوزات حتى يتجسد الدين في
حركاته وسكناته فيكون مثالاً يحتذى به. كما أن
التواضع للعلم والعلماء وجعل النفس دائماً في قفص الاتهام والحكم عليها بالقصور بل
بالتقصير تجاه الآخرين تُعْتَبَر الخطوة الأولى في سبيل إصلاحها فإنَّ تهذيب النفس
الذي دعا إليه وسعى فيه الحكماء والمصلحون من أهم الواجبات، فإنَّ صلاح خلق الفرد
أساس إصلاح المجتمع. فإذن
أيها الطالب العزيز ليكن قيامك وقعودك وتعاملك مع الآخرين على أساس الإيثار. أرجو
الله سبحانه أن يمكننا جميعاً من إصلاح نفوسنا وأداء ما علينا وان يحلينا بالعلم
والعمل ويجعلنا من شيعة ولي الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء انه رحيم ودود. مؤلفاته القلمُ
ترجمان عقل الكاتب، وسفير علمه، ورائد فهمه ؛ إذا رعف على القرطاس أعربَ عنْ كنه
ذاته وأبان عنْ مبلغه من العلْم وموضعه من الفضل، والآثار كاشفة عن ثقافة صاحبها
مجسدة لحقيقة ما وصل إليه من المعارف والعلوم، وإذا استقرأنا ما دبجه يراعُ شيخنا
المرجع (دام ظله) في الفقه والأصول وسائر العلوم الإسلامية وقفنا على كنز هائلٍ
وثروةٍ طائلة ومنجم مترع بنفائس الجواهر وروائع الذخائر وبدائع الفوائد. أجلْ
وجدنا العلم الراقي والتحقيق الرائق والأدلة السابغة والحجج البالغة وقوة
الاستنباط والطريقة المثلى في عرض الآراء وتصنيفها ومحاكمتها على ضوء القواعد
العلمية الرصينة: إذا
اقرَّ على رقٍّ أناملهُ*** أقرَّ بالرِّقّ كتابُ الأنام له وقد جال
قلمه المبارك في العلوم الإسلامية المتعددة من فقه وأصولٍ وفلسفةٍ وكلام وتفسير
وحديثٍ والمسائل المستحدثة وغيرها مما يعتبر من مفاخر نتاج الفكر الأمامي
المتميّز. واليك
أيها القاري الكريم جملة من آثاره الشريفة: 38)
(الدِّين النَصِيحة) إلى طلبة العلم (طبوعة عدة طبعات). 39)
الغدير إطلالة وأعمال (طبوعة عدة طبعات). ولا يزال
قلمه الشريف يواصل الإنتاج لرفد المكتبة الإسلامية بكلّ ما هو رائع ومفيد من آثاره
الجليلة. روايته يروي
سماحته الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة (رضوان الله عليهم) وهي (الكافي) و(الفقيه)
و(التهذيب) و(الاستبصار) وسائر مؤلفات الشيخ الصدوق وشيخ الطائفة الطوسي والعلامة
الحلي بسندٍ متصل إلى إجازة العلامة الكبيرة المطبوعة، وقد استجازه جملة من
الأفاضل فمنحهم الأجازة. مشاريعه وأعماله الإصلاحية آثار
المرء هي الدليل الناصع على تشخيص مكانته وتعيين منزلته وبها يكتسب الذكر الجميل
ويمنح العمر الخالد فلا ينطوي اسمه ولا تنداحُ عن ساحة الوجود الإنساني ذكراه: وشيخنا
(دام ظله) من الرجال القلائل الذين أثبتوا كفاءتهم في خدْمة الأمة الإسلامية من
أبوابٍ متعددة فدخل في قائمة أفذاذ عباقرة المصلحين دخولاً أوّليا بما قام به من
مشاريع إصلاحية وحركة تجديدية في الحوزة العلمية النجفية وغيرها. 1) قيامه
بإعادة طبع الكتب الدراسية المعروفة في المنهج الحوزوي من كتب النحو والبلاغة
والصرف والمنطق والكلام والفقه وأصوله. 2) إعادة
ترتيب الدراسة ومتابعة مفرداتها منْ تهيئة الكتب وتعيين الأساتذة وجَعْل المرتبات
الشهرية، وعدم التسامح بما يسمى بـ(الطفرة) في سلم الدراسات المنهجية أو التحايل
والتهرب عن أداء الامتحانات الشهرية. 4)
الاهتمام بشؤون الفقراء وأهل الحاجة وذلك بتعيين الرواتب الشهرية لهم وتوفير
العلاج الطبي وإمدادهم بالملابس الصيفية والشتوية والأدوية والطحين وسائر ما يتمكن
منه من الأمور المتوافرة عنده مما يتلقاه من مقلديه ومريديه ويتنازل حتى عن الذي
يأتيه على سبيل الهدية الخاصة ويضعها مع الحقوق للتوزيع. 5) إرسال
الوكلاء والوعاظ والمرشدين إلى كثير من المناطق وخاصة في شهر رمضان المبارك ومحرم
من أجل الخدمة العامّة وإرشاد الناس إلى طريق الهداية والصلاح ولا يجيز لمعظم
الطلبة والمبتدئين خاصة أن يغادروا النجف الاشرف حتى لمثل هذه المهمات بغية حثهم
على المواظبة على الدرس والبحث. 6)
الإسهام في بناء وتجديد وتأثيث المساجد والحسينيات وسائر دور العبادة ومأوى
الصالحين ورفد المكتبات الإسلامية بالكتب والأثاث والمساعدات النقدية، وتهيئة
المساكن لطلبة العلوم الدينية ومنها (دار الأبرار) و(دار المتقين) في النجف
الأشرف. 7) نصب
مولدات للطاقة الكهربائية وتوزيع خطوط الكهرباء للعوائل وللمدارس والمدارس الدينية
والجوامع والحسينيات وبفضل الله وصلت إلى ما يقارب 3000 آلاف بيت. 8) إقامة
مدارس أنموذجية ـ رسمية ـ خاصة للأيتام باسم: (مدارس دار الزهراء (عليه السلام)
للبنين)، و(مدارس دار الزهراء (عليه السلام) للبنات)، وتميزت هذه المدارس بتقديم
رعاية عصرية متطورة، ووفق أحدث الطرق التعليمة للأطفال الأيتام، مع تقديم مساعدات
شهرية ودورية إلى الأطفال. 9) جلب
طلاب العلوم الدينية من بلدان كثيرة مثل اليمن وأفغانستان وباكستان والخليج والهند
لأجل الدراسة في النجف الأشرف. 10)
وأخيراً تم بإيعاز من لدن سماحة المرجع (دام ظله) رعاية وتأسيس عدة مؤسسات أبرزها
مؤسسة الأنوار النجفية للثقافة والتنمية، قدمت هذه المؤسسات خدمات كبيرة وجلية إلى
عدة فئات وشرائح من المجتمع، فقد رعت الأيتام، والعوائل المتعففة، كما ورعت
المؤسسة أكثر من (2700) موكب حسيني يقدم الخدمة لزوار العتبات المقدسة وذلك بتقديم
المساعدات المالية والعينية، هذا ورعت المؤسسة عدة مشاريع ثقافية وتنموية حاضرة
ومستقبلية. هذا ومن
المشاريع المستقبلية المهمة التي ينوي سماحة المرجع (دام ظله) إقامتها (إن شاء الله
تعالى) : (بناء مدينة للعلم لطلبة العلوم الدينية، وإقامة مجمع طبي لخدمة الفقراء
وطلبة العلوم الدينية، وكذلك إقامة مرأب (كراج) لوقوف المركبات (عصري متعدد
الطوابق) خدمة منه لمدينة النجف الأشرف وزائريها. ونحن
نقول إن الواجب على ذوي الهمة والغيرة والحرص على الدين ونواميسه أن يضعوا أيديهم
جميعاً في يد الشيخ النجفي منْ أجل تعزيز قواعد الخير والمعروف والصلاح حتى يواصل
مشاريعه الإصلاحية والثقافية والخدمية وليتمكن كذلك من خدمة الحوزة العلمية
المباركة وضمان ديمومتها ورعايتها وصيانتها وكفايتها. أخذ الله
بيده إلى تحقيق كلّ ما تصبو إليه نفْسه الكريمة وهمته القعْساء منْ أجل خدمة
الإسلام والمسلمين انه ولي ذلك والقادر عليه. أخلاقه الأخلاق
هي المعْيار الذي يقاس به رقي الأمم ويرجع إليه في الحكم إنْ لها أوْ عَليْها:
والذين
قدّر لهم أنْ يتشرفوا بمعاشرة سماحة المرجع (دام ظله) أو يجالسوه ولو لمدة قصيرة
يشهدون بأنه مثال الخلق الإسلامي الراقي في التواضع ولين العريكة وسلامة الطوية
وكرم النفس وخفض الجناح للمؤمنين وتبجيل أهل الدين وأصحاب المروءات وتعظيم ذوي
الفضل والعلم لا يفرق بين غني وفقير ولا بين قريب أو بعيد إلاّ بما قرره الشرع
الشريف من تقديم أهل التقوى ومنابذة أهل المعاصي والمنكرات كما يخص السادات
الاشراف المنتسبين إلى العترة الطاهرة بمزيد الاحترام والتبجيل صغيرهم وكبيرهم
غنيهم وفقيرهم ولا يخاطب احدهم إلاّ بقوله: قال جدك رسول الله، أو وفقنا الله
لخدمة شعائر أجدادك الطاهرين... الخ. لا يحابي
ولا يماري ولا يداهن أحداً، ومجلسه العامر مجلس توجيه وإرشاد وموعظة ونصيحة فلا
اذكر أني سمعت منه في يوم من الأيام كلاماً إلا في نصيحة المسلمين وبيان مزايا
المؤمنين الذين يحق لهم أنْ يتشرفوا باسم (شيعة أهل البيت عليهم السلام) والحث على
تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وإحياء شعائر الله تعالى وإيضاح عظمة الأئمة
المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم)، وما يجب لهم في الأعناق من الطاعة وامتثال
الأوامر واجتناب النواهي والإجابة عن الأسئلة الدينية التي تنهال على سماحته كل
وقتٍ بالأجوبة السديدة مع الإيجاز غير المخلّ، شديد الوطأة على أهل البدع والضلال
لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، قائم بوظيفة الأمرْ بالمعروف والنهي عن المنكر
خير قيام لا ينفك بين الفينة والفينة يوجه نصائحه الغالية وإرشاداته العالية إلى
أبنائه من طلبة العلْم بخاصة، والمسلمين بعامة تقريراً وتحريراً. تسطيع
أنوار الهيبة من أسارير جبهتهِ، وتشعشع بوارق الجلالة من مشارق محياه، كريم
المعاشرة، لطيف المحاورة، فصيح العبارة، مليح الإشارة، ناصع البيان، ساطع البرهان،
ميمون النقيبة، مبارك الطلعة، طابق اسمه مسماه فاستبشرت حوزة العلم الكبرى بمجددها
المصلح واستظلت بحماه: عَقُبهُ
المبارك وقفة الختام مما تقدم
منْ بيان موجز ولمحةٍ دالةٍ هي (قبسَة العجلان) و(عقلة المستوفز) ترتسم في ذاكرة
القارئ الكريم الملامح العامة والخطوط العريضة بنحو الإيماء والإشارة لا التفصيل
والاستيعاب لشخصيّة إسلامية فذة نادرة المثال منْ طراز خاص شاءت لها يدُ العناية
الإلهية أنْ تتبوأ دست المرجعية الأقدسَ للطائفة الإماميّة بكفاءةٍ واستحقاقٍ وهو
المصداق للبيتين ضمن قصيدة معروفة وهما: والمتتبع
الفاحصُ منْ أهل الخبرة المعْنيين بشؤون المرجعية الدينية لا يسعه إضمار اطلاعه
على منهج شيخنا النجفي في التدريس العالي والبحوث الخارجية الراقية وما تتسم به من
العمق والشمول والأَصالة والحرص على تخليص اللباب من القشور وتنقية المطالب
الأصولية والفقهية مما علق بها منْ شوائب التكرار والتخليط المفضي إلى مزايلة
العناوين لمعنوناتها بالمفاد المطابقي مع الاطلاع المستوْعب على جملة ما دبجه
يراعه السيّال من آثار رصينة ومؤلفات قيمة في الفقه والأصول وسائر الفنون
الإسلامية على النحو الذي لا يتأتى رصفه وتنسيقه واستخلاص صحة نتائجه من سلامة
مقدماته إلا للاوحدي الملهم المسدد بالعناية الإلهية والتوفيقات الربّانية؛ أقول
لا يسع المتتبع الخبير المطلع على ما اشرنا إليه آنفاً إلا أنْ يقطع ببلوغ البشير
(دام ظله الوارف) ذروة الاجتهاد المطلق، وقد لخص العلامة الجليل مؤلف (اللمحة) عن
حياة شيخنا النجفي (دام ظله العالي) معنى ما ذكرناه هنا فأجاد وأفاد وأوفى على
الغاية في توضيح المراد، ولا ضير علينا أنْ نزين هذه الرسالة بنقل ما حرّره في
(لمحته) قال دام قلمه: دأب العلماء والأفذاذ على إثبات اجتهادهم بما يدل عليه مما
يصدر عنهم من آثار، واجل ذلك من وجهة نظرنا: 1ـ
التصدي لتدريس السطوح العالية في الفقه والأصول، المكاسب، الكفاية، الرسائل،
وشيخنا البشير مرّ بهذه المرحلة وله تلامذةٌ أحياء داخل العراق وخارجه درسوا عنده
تلك الدروس، ومرحلة تدريس السطوح وخاصة العالية منها تعتبر (الحجر الأساس) في بناء
بلوغ درجة الاجتهاد والتمرس في صياغة الحكم والصناعة الفقهية. 2) دسومة
المطالب الفقهية والأصولية التي يتعرض لها صاحب البحث الخارج تدل على ما يتمتع به
من علم ومعرفة ؛ لان الرجل العارف بالحكم ومداركه وتفريعاته وطرق الاستدلال عليه
ومحاكمتها ومناقشاتها والرّد على ما يخالف الذوق والأصول العامّة المسلم بها عند
أصحابنا كلها شواهد صدق ونواطق حق على اجتهاد المتحدث وبراعته أصولاً وفقهاً. 3) آثار
المرء العلمية تدل على أن ما صدر عن أنامله هل فيه غنى وجودة وأصالة أو أنه تكرار
لما سبق واجترار لما سلف من آثار؟ إلى آخر
ما قال سلمه الله تعالى. قلتُ:
وبحسب الباحث المنصف أنْ يطلع على نموذج من كتاباته في الأصول وهو كتابه الجليلُ
(مرقاة الأصول) فقد بلغ حدّ الإعجاز في الإيجاز مع جامعيته وما نعيته (ولا ينبئك
مثل خبير). قد أكرمه الله |