كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي(دام ظله) للمؤتمر العلمي الدولي التاسع لجمعية الدراسات التخصصية بين الحوزة والجامعة.

كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي(دام ظله) للمؤتمر العلمي الدولي التاسع لجمعية الدراسات التخصصية بين الحوزة والجامعة.

29/6/2024




العدد: 538 التاريخ: 20 ذو الحجة 1445هـ، الموافق: 27/ 6/ 2024م.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على إكمال الدين وإِتمام النعمة ورضا الربّ، وصلى الله على سيد المرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الغر الميامين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين..

قال الله سبحانه:  (رْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْـمَ دَرَجَاتٍ).

وقال عز وجل: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً).

صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

إِن المفاضلة في تقييم الرجال وقيمتهم لدى المجتمعات تكونُ على أساس عدّة معايير نذكر منها ثلاثاً:‏ 

المعيار الأول: طرحه النظام الرأسمالي: وهو مقدار ما يملك الإِنسان.‏ 

المعيار الثاني: القوة الجسمية، وهذا ما كانت عليه المجتمعات الرومانية في العهود السابقة.‏ 

المعيار الثالث: الذي طرحه الإسلام ونظّر له القرآن.‏ 

وهو الإِيمان، وهناك درجات للعلم.‏ 

ومعلومٌ أن الحياة في الدنيا وكذلك في الآخرة لا تستمر ولا تستقيم بدون توفر مستلزماتها، ومع ‏ذلك أنه سبحانه وتعالى لم يأمرنا بازدياد وطلب الإفاضة فيهما مثل ما أمرنا بطلب العلم، وافاءَه ‏علينا، وخصَّ الخطاب المذكور بالنبي الأعظم؛ لأنه أشرف المخلوقات وأمره بطلب الزيادة لأشرف ما ‏يفتقر إليه الإنسان وهو العلم.‏ 

إن الله سبحانه مَنّ علينا بالحوزة العلمية وجعلها مستقرةً في النجف الأَشرف، كما مَنّ علينا ‏بالجامعات المنبسطة في أطراف الوطن العزيز، ومعلوم أن كلتا النعمتين تشكل العنصر الأساس لعزّة ‏المؤمنين، فإن ما يتعلمه شبابنا في الجامعات مما ينفع الناس لدنياهم، وعطاء الحوزة العلمية يمهد طريق ‏الشرف لدنياهم وأخراهم ‏ 

وباجتماعهما تحل الكرامة لجميع البشرية في أرجاء العالم بخطبائها ووعاظها والمؤلفين والحكماء ‏وأصحاب النظريات.. وغيرهم. ‏ 

والحوزة مع الجامعة يشكلان العمود الفقري للحياة الكريمة للعراق وخارجه؛ فإن الحوزة كما تتعامل ‏مع الجامعات العراقية، كذلك تسعى في التعاون مع الجامعات السليمة عن الزيغ في أطراف المعمورة.‏ 

وإِنما تعيش الجامعات السعي فيها لخدمة الشعوب في ظل إرجاع العلم إلى الصانع الأول، وإِلا لفسدت ‏الدنيا كما فسد جزءٌ منها بالانحرافات التي أدّت وتودي بالإِنسانية والإِنسان إلى الهلاك والضياع.‏ 

والحوزة العلمية في النجف الأَشرف أُم الحوزات العلمية في العالم ومنطلق الحوزات كلها؛ لأنها ‏تستقي من مبادئ الدين الحنيف، وتعيش في ظل ورعاية سيد الأوصياء أمير المؤمنين (صلى الله عليه ‏وعلى أولاده المعصومين) وتجعل من الإِنسان سائراً على الصراط المستقيم.‏ 

فينبغي لنا أن نلتفت في هذا الاجتماع المحترم إِلى أوجه التعاون المشترك بين الحوزة العلمية ‏والجامعة، فالحوزة مفتقرة إلى الواعيين لتستعين بهم على نشر الوعي السليم في المجتمع، ولا يستغني رواد ‏الحوزة عن جهود خريجي الجامعات، وكذلك الجامعات تستعين وتستنير وتسترشد في جميع مراحل ‏الحياة وبجميع كوادرها وروادها بالحوزة الشريفة؛ ليعرف كُل فردٌ ما ينبغي وما يجوز فعله وما لا يجوز في ‏ضوء الشريعة الغراء.‏ 

وفي هذا الصدد نسترعي انتباه قادة الجامعات وروادها أن هناك حركات فكرية خاطئة وتوجهات ‏إلحادية وراءها نفوس خبيثة وألسن شريرة تبث أفكاراً غير سليمة في الجامعات، ومن المؤسف اشتراك ‏بعض الأساتذة أيضاً وبشكل رسمي في بث الإلحاد والأفكار المنحرفة في الوقت الذي يعتبر فيه ‏الأُستاذ مربياً وهادياً ومعلماً.‏ 

ونتوسم في هكذا مؤتمرات الجدّية في التعاون فيما يمنح الفرصة لأبنائنا من اكتساب العلم النافع، ‏وجعل العلم وسيلة لمعرفة عظمة الخالق وبديع صنعه، ومن ثم العمل به إلى ما يأخذ بشعوبنا إلى ‏التقدم والعلو في الدارين.‏ 

فنأمل من كوادر الجامعات وروادها اللجوء إلى الحوزة العلمية لمعرفة الفكر السليم من غيره، وعليهم ‏أن يسترشدوا من الحوزة العلمية ما يعينهم على رد الشبهات ويوفر لهم السلامة في سلوكهم.‏ 

كما ينبغي  للكوادر الجامعية  الحيلولة دون نشر الفساد الخلقي في الجامعات، وعليهم أن يسعوا ‏في دفع البنين والبنات إلى الالتزام بالدين وبالابتعاد عما يدعوا إليه الشيطان من الاختلاط بين ‏الصنفين غير المبرر وغير المسوغ، وأن يكون زيّ أبنائنا وبناتنا محتشماً؛ ولتكن بناتنا عزيزات في الجامعة ‏كما هنَّ في وبيوتهنَّ.‏ 

أَرجو الله أن يوفقنا لما فيه سلامة عمودي الحياة كليهما الحوزة العلمية والجامعة أنه رحيم ودود..‏ 

والسلام.‏